فصل: من لطائف وفوائد المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من لطائف وفوائد المفسرين:

.من لطائف القشيري في الآية:

قال عليه الرحمة:
{قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُومًا مَدْحُورًا لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ (18)}
أخرجه من درجته، ومن حالته ورتبته، ونقله إلى ما استوجبه من طرده ولعنته، ثم تخليده أبدًا في عقوبته، ولا يذيقه ذرةً من يَرْدِ رحمته، فأصبح وهو مقدَّمٌ على الجملة، وأمسى وهو أبعد الزُّمرة، وهذه آثار قهر العِزَّة. فأيُّ كَبِدٍ يسمع هذه القصة ثم لا يتفتت؟!. اهـ.

.من فوائد الشوكاني في الآيات:

قال رحمه الله:
{وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآَدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ (11)} إلى قوله تعالى: {قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُومًا مَدْحُورًا لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ (18)}
قوله: {وَلَقَدْ خلقناكم ثُمَّ صورناكم} هذا ذكر نعمة أخرى من نعم الله على عبيده.
والمعنى: خلقناكم نطفًا ثم صوّرناكم بعد ذلك، وقيل المعنى: خلقنا آدم من تراب، ثم صورناكم في ظهره.
وقيل: {وَلَقَدْ خلقناكم} يعني: آدم ذكر بلفظ الجمع؛ لأنه أبو البشر، {ثُمَّ صورناكم} راجع إليه، ويدلّ عليه: {ثُمَّ قُلْنَا للملائكة اسجدوا لآدَمَ} فإن ترتيب هذا القول على الخلق والتصوير يفيد أن المخلوق المصوّر آدم عليه السلام.
وقال الأخفش: إن {ثم} في {ثُمَّ صورناكم} بمعنى الواو.
وقيل المعنى: خلقناكم من ظهر آدم، ثم صوّرناكم حين أخذنا عليكم الميثاق.
قال النحاس: وهذا أحسن الأقوال وقيل المعنى: ولقد خلقنا الأرواح أوّلًا، ثم صوّرنا الأشباح، ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم، أي أمرناهم بذلك فامتثلوا الأمر، وفعلوا السجود بعد الأمر {إِلاَّ إِبْلِيسَ} قيل: الاستثناء متصل بتغليب الملائكة على إبليس؛ لأنه كان منفردًا بينهم، أو كما قيل: لأن من الملائكة جنسًا يقال لهم الجنّ.
وقيل: غير ذلك.
وقد تقدّم تحقيقه في البقرة.
قوله: {لَمْ يَكُن مّنَ الساجدين}.
جملة مبينة لما فهم من معنى الاستثناء، ومن جعل الاستثناء منقطعًا قال معناه: لكن إبليس لم يكن من الساجدين، وجملة: {قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ} مستأنفة جواب سؤال مقدّر، كأنه قيل: فماذا قال له الله؟ ولا في {أَلا تَسْجُدَ} زائدة للتوكيد بدليل قوله تعالى في سورة ص: {مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ} [ص: 75]؛ وقيل إن منع بمعنى قال، والتقدير: من قال لك أن لا تسجد؛ وقيل منع بمعنى دعا، أي ما دعاك إلى أن لا تسجد.
وقيل: في الكلام حذف، والتقدير: ما منعك من الطاعة وأحوجك إلى أن لا تسجد {إِذْ أَمَرْتُكَ} أي وقت أمرتك، وقد استدل به على أن الأمر للفور، والبحث مقرر في علم الأصول، والاستفهام في {مَا مَنَعَكَ} للتقريع والتوبيخ، وإلا فهو سبحانه عالم بذلك، وجملة: {قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مّنْهُ} مستأنفة جواب سؤال مقدّر كأنه قيل: فما قال إبليس؟ وإنما قال في الجواب {أنا خير منه}، ولم يقل: منعني كذا، لأن في هذه الجملة التي جاء بها مستأنفة ما يدل على المانع، وهو اعتقاده أنه أفضل منه.
والفاضل لا يفعل مثل ذلك للمفضول مع ما تفيده هذه الجملة من إنكار أن يؤمر مثله بالسجود لمثله.
ثم علل ما ادّعاه من الخيرية بقوله: {خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ} اعتقادًا منه أن عنصر النار أفضل من عنصر الطين.
وقد أخطأ عدوّ الله، فإن عنصر الطين أفضل من عنصر النار من جهة رزانته وسكونه، وطول بقائه، وهي حقيقة مضطربة سريعة النفاد، ومع هذا فهو موجود في الجنة دونها، وهي عذاب دونه، وهي محتاجة إليه لتتحيز فيه، وهو مسجد وطهور، ولولا سبق شقاوته، وصدق كلمة الله عليه، لكان له بالملائكة المطيعين لهذا الأمر أسوة وقدوة، فعنصرهم النوري أشرف من عنصره الناري.
وجملة {قَالَ فاهبط} استئنافية كالتي قبلها، والفاء لترتيب الأمر بالهبوط على مخالفته للأمر، أي اهبط من السماء التي هي محل المطيعين من الملائكة الذين لا يعصون الله فيما أمرهم، إلى الأرض التي هي مقرّ من يعصي ويطيع، فإن السماء لا تصلح لمن يتكبر، ويعصى أمر ربه مثلك، ولهذا قال: {فَمَا يَكُونُ لَكَ أَن تَتَكَبَّرَ فِيهَا}.
ومن التفاسير الباطلة ما قيل إن معنى {اهبط مِنْهَا} أي أخرج من صورتك النارية التي افتخرت بها صورة مشوّهة مظلمة؛ وقيل المراد هبوطه من الجنة.
وقيل من زمرة الملائكة، وجملة {فاخرج} لتأكيد الأمر بالهبوط، وجملة {إنك من الصاغرين} تعليل للأمر، أي إنك من أهل الصغار، والهوان على الله، وعلى صالحي عباده، وهكذا كل من تردّى برداء الاستكبار، عوقب بلبس رداء الهوان والصغار.
ومن ليس رداء التواضع ألبسه الله رداء الترفع.
وجملة: {قَالَ أَنظِرْنِى إلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} استئنافية كما تقدّم في الجمل السابقة، أي أمهلني إلى يوم البعث، وكأنه طلب أن لا يموت، لأن يوم البعث لا موت بعده، والضمير في {يُبْعَثُونَ} لآدم وذريته، فأجابه الله بقوله: {إِنَّكَ مِنَ المنظرين} أي الممهلين إلى ذلك اليوم، ثم تعاقب بما قضاه الله لك، وأنزله بك في دركات النار.
قيل: الحكمة في إنظاره ابتلاء العباد، ليعرف من يطيعه ممن يعصيه.
وجملة: {قَالَ فبِمَا أَغْوَيْتَنِى} مستأنفة كالجمل السابقة، واردة جوابًا لسؤال مقدّر، والباء في {فبِمَا} للسببية، والفاء لترتيب الجملة على ما قبلها.
وقيل: الباء للقسم كقوله: {فَبِعِزَّتِكَ لأَغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ} [ص: 82] أي فباغوائك إياي {لأقْعُدَنَّ لَهُمْ صراطك المستقيم}، والإغواء: الإيقاع في الغيّ.
وقيل: الباء بمعنى اللام، وقيل: بمعنى مع.
والمعنى: فمع إغوائك إياي.
وقيل: مَا في {فَبِمَا أَغْوَيْتَنِى} للاستفهام.
والمعنى: فبأي شيء أغويتني؟ والأوّل: أولى.
ومراده بهذا الإغواء الذي جعله سببًا لما سيفعله مع العباد هو ترك السجود منه، وأن ذلك كان بإغواء الله له، حتى اختار الضلالة على الهدى.
وقيل: أراد به اللعنة التي لعنه الله، أي فبما لعنتني فأهلكتني، لأقعدنّ لهم ومنه: {فَسَوْفَ يَلْقُونَ غَيًّا} [مريم: 59] أي هلاكًا.
وقال ابن الأعرابي: يقال: غوى الرجل يغوي غيًا، إذا فسد عليه أمره أو فسد هو في نفسه، ومنه: {وعصى ءادَمَ رَبَّهُ فغوى} [طه: 121] أي فسد عيشه في الجنة {لأقْعُدَنَّ لَهُمْ} أي لأجهدنّ في إغوائهم حتى يفسدوا بسببي كما فسدت بسبب تركي السجود لأبيهم.
والصراط المستقيم هو الطريق الموصل إلى الجنة.
وانتصابه على الظرفية، أي في صراطك المستقيم كما حكى سيبويه ضرب زيد الظهر والبطن، واللام في {لأقعدنّ} لام القسم، والباء في {فبِمَا أَغْوَيْتَنِى} متعلقة بفعل القسم المحذوف، أي فبما أغويتني أقسم لأقعدنّ.
قوله: {ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أيمانهم وَعَن شَمَائِلِهِمْ} ذكر الجهات الأربع؛ لأنها هي التي يأتي منها العدو عدوّه، ولهذا ترك ذكر جهة الفوق والتحت، وعدى الفعل إلى الجهتين الأوليين بمن، وإلى الآخريين بعن، لأن الغالب فيمن يأتي من قدام وخلف أن يكون متوجهًا إلى ما يأتيه بكلية بدنه، والغالب فيمن يأتي من جهة اليمين والشمال أن يكون منحرفًا، فناسب في الأوليين التعدية بحرف الابتداء، وفي الأخريين التعدية بحرف المجاوزة، وهو تمثيل لوسوسته وتسويله بمن يأتي حقيقة.
وقيل المراد: {مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ} من دنياهم {وَمِنْ خَلْفِهِمْ} من آخرتهم {وَعَنْ أيمانهم} من جهة حسناتهم {وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ} من جهة سيئاتهم، واستحسنه النحاس.
قوله: {وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شاكرين} أي وعند أن أفعل ذلك لا تجد أكثرهم شاكرين، لتأثير وسوستي فيهم وإغوائي لهم، وهذا قاله على الظنّ، ومنه قوله تعالى: {وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ} [سبأ: 20].
وقيل: إنه سمع ذلك من الملائكة فقاله، وعبر بالشكر عن الطاعة أو هو على حقيقته وأنهم لم يشكروا الله بسبب الإغواء.
وجملة {قَالَ اخرج مِنْهَا} استئناف، كالجمل التي قبلها، أي من السماء أو الجنة أو من بين الملائكة كما تقدّم {مَذْءومًا} أي مذمومًا من ذأمه إذا ذمَّه، يقال: ذأمته وذممته بمعنى.
وقرأ الأعمش {مذمومًا}.
وقرأ الزهريّ {مذومًا} بغير همزة؛ وقيل المذءوم: المنفي، والمدحور: المطرود.
قوله: {لَّمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ} قرأ الجمهور بفتح اللام على أنها لام القسم، وجوابه: {لأَمْلانَّ جَهَنَّمَ مِنكُمْ أَجْمَعِينَ} وقيل: اللام في {لَّمَن تَبِعَكَ} للتوكيد، وفي {لأَمْلاَنَّ} لام القسم.
والأوّل: أولى، وجواب القسم سدّ مسدّ جواب الشرط، لأن مَنْ شرطية، وفي هذا الجواب من التهديد ما لا يقادر قدره.
وقرأ عاصم في رواية عنه {لَّمَن تَبِعَكَ} بكسر اللام، وأنكره بعض النحويين.
قال النحاس: وتقديره والله أعلم، من أجل من اتبعك كما يقال: أكرمت فلانًا لك.
وقيل: هو علة لا خرج، وضمير {مّنكُمْ} له ولمن اتبعه، وغلب ضمير الخطاب على ضمير الغيبة، والأصل منك ومنهم.
وأخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، والحاكم وصححه، والبيهقي في الشعب، عن ابن عباس، في قوله: {وَلَقَدْ خلقناكم ثُمَّ صورناكم} قال: خلقوا في أصلاب الرجال، وصوّروا في أرحام النساء.
وأخرج الفريابي عنه أنه قال: خلقوا في ظهر آدم، ثم صوّروا في الأرحام.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم، عنه أيضًا قال: أما {خلقناكم} فآدم، وأما {ثم صوّرناكم} فذريته.
وأخرج أبو الشيخ، عن عكرمة، في الآية قال: خلق إبليس من نار العزة.
وقد ثبت في الصحيح من حديث عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خلقت الملائكة من نور، وخلق إبليس من نار، وخلق آدم مما وصف لكم» وأخرج ابن جرير عن الحسن قال: أوّل من قاس إبليس في قوله: {خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ} وإسناده صحيح إلى الحسن.
وأخرج أبو نعيم في الحلية، والديلمي، عن جعفر بن محمد عن أبيه، عن جدّه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أوّل من قاس أمر الدين برأيه إبليس قال الله له اسجد لآدم، فقال: أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين» قال جعفر: فمن قاس أمر الدين برأيه، قرنه الله يوم القيامة بإبليس، لأنه اتبعه بالقياس، وينبغي أن ينظر في إسناد هذا الحديث، فما أظنه يصح رفعه وهو لا يشبه كلام النبوّة.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، عن ابن عباس، قال: {فبِمَا أَغْوَيْتَنِى} أضللتني.
وأخرج عبد بن حميد، عنه، في قوله: {لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صراطك المستقيم} قال: طريق مكة.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وأبو الشيخ، عن ابن مسعود مثله.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، عن ابن عباس {ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ} قال: أشككهم في آخرتهم {وَمِنْ خَلْفِهِمْ} قال: أرغبهم في دنياهم {وَعَنْ أيمانهم} أشبه عليهم أمر دينهم {وَعَن شَمَائِلِهِمْ} قال: أسنّ لهم المعاصي وأحق عليهم الباطل {وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شاكرين} قال: موحدين.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم، عنه {ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ} يقول: من حيث يبصرن {وَمِنْ خَلْفِهِمْ} من حيث لا يبصرون {وَعَنْ أيمانهم} من حيث يبصرون {وَعَن شَمَائِلِهِمْ} من حيث لا يبصرون.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، عنه، أيضًا في الآية قال: لم يستطع أن يقول من فوقهم.
وفي لفظ علم أن الرحمة تنزل من فوقهم.
وأخرج ابن أبي حاتم، عنه، في قوله: {مَذْءومًا} قال: ملومًا، مدحورًا: قال مقيتًا.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، عن مجاهد {مَذْءومًا} قال: منفيًا {مَّدْحُورًا} قال: مطرودًا. اهـ. باختصار يسير.